JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

Home

الفراشات تعرف الطريق الوحيد إلى الرحيل



 **توطئة //**

  

في أرض أمي.. كانت الحكايات، وكانت الأرض تشبه كل الأراضي حينذاك، إلا أن أمي كانت مختلفة.  

أرض أمي.. هي الحنين، والحنين هو الوطن.


/

/


في حضرة الصمت، جاءت الذكريات تتراقص على أطراف الأفق، أمي جالسة تحت شجرة الزيتون التي لم تبرح مكانها منذ غرسها جدتي ذات يوم بعيد.  

مدّت أمي يديها إلى تراب الأرض، أخذت حفنة صغيرة، ومررتها بين أصابعها كما لو كانت تقرأ فيها نبض الزمن. نظرت إليّ بنظرةٍ قديمة تحمل حكمة السنين، ثم قالت بابتسامةٍ شاحبة:


"سيمرّ."


استغربت تلك الكلمة العابرة التي انزلقت من شفتيها كنسمة صيفية، فاقتربت منها وسألتها بخفوت:

  

"ما الذي سيمرّ يا أمي؟"


نظرت لي كما لو أنني بعيدة عنها رغم قرب المسافة، ثم ابتسمت مرة أخرى.. ابتسامة تشبه تلك التي اعتدت عليها عندما كنت طفلة؛ ابتسامة دافئة كدفء الشمس حين تشرق بعد ليلة طويلة، فيها أملٌ رقيق وعناق الزمن القديم.


ثم مدت يدها نحوي كما كانت تفعل كلما شعرت بأني بحاجة إليها، ضمتني إلى صدرها، وبأناملها الحانية ربتت على شعري، وقالت بصوت ملؤه الذكريات:


"سيعود النور يا بنيتي.. سيعود الفرح، وستنتهي كل الأحزان."


ثم همست لي بصوتٍ متعب:


"هل أخبرك بحكاية قديمة؟"


نظرت إليها بشوق طفولي قديم وقلت بحماسٍ كنت أظنه قد ضاع:


"نعم، احكي لي يا أمي.. فقد اشتقت لحكاياتك!"


ابتسمت من جديد، ونظرت إلى التراب بين يديها، ثم شمته كمن يستنشق ماضيه وقالت:


"هذا التراب لم يفقد رائحته قط، لكن في هذا اليوم، رائحته حزينة.. غدًا، سيعود التراب ليبتسم، وسيغني الحقل من جديد حين يزهر في قلبه الأمل، وتعود السنابل لترقص تحت سماء مفتوحة."


/

/


يا أمي.. ما زلت تحلمين بزمنك القديم، زمن الفراشات والورود. لكن الأرض عطشى يا أمي، والمطر بات غريبًا، والنهر وحده لا يكفي.  

آهٍ يا أمي.. كم من طائر هاجر من أرضكِ، وكم من زهرةٍ ذبلت قبل أن تشم عبير الحياة!


يا أمي.. كم من حلم مات قبل أن يولد، وكم من شجرة انحنت تحت وطأة الحزن.  

ولكنكِ، يا أمي، ما زلت هنا، صابرةً تحت شجرة الزيتون التي غرسها قلبكِ كما غرسها جسد جدتي من قبل.


لماذا يا أمي أراكِ مؤخرًا تلوذين بها؟  

لماذا يا حبيبة العمر تعيدين شريط الذكريات الحزينة رغم محاولاتك المستمرة لصنع رغيف من الأمل لا يكفي لسد رمق قلوبنا الجائعة؟


أمي، الزمن بات بعيدًا.. والفراشات لم تعد تعرف كيف تعود إلى الحقول.  

والشجرة العتيقة.. ما زالت قائمة، لكنها لم تعد تعرف كيف تحتضن الفراشات.


/

/


**خروج //**


ما تزال شجرة الزيتون تتحدث، والفراشات تعرف الطريق الوحيد إلى الرحيل.

NameEmailMessage